الأحد، 26 أغسطس 2012

"بركة"



شعبان العبيط كل يوم يبيض يدى " الدحية " لامه تعمله " بكسويت " :) قبل ان تجلب رياح الزكريات البعيدة الى ذهنى ذلك الايقاع المتهالك لتلك الكلمات القديمة ، كانت قد حملتنى قدماى وبالصدفة الى المرور فى شارع شعبان اوكما كنا نسميه ونحن صبية صغار " شعبان العبيط ".
تحت شجرة "السنط" العجوز المواجهة لمنزلة والتى مازالت تظل بعض من القبور القديمة المهجورة والتى ومن بعيد تلمح "شعبان" فوق واحد منها مستلقى على...ظهره فى استرخاء تام عاقد زراعيه تحت راسه بينما احدى ساقيه مشتبكة مع غصن الشجرة المتدلى والملىء بالأشواك محدث فى الشجرة هذات عنيفة تسمعها عن بعد على الرغم من علامات الشيخوخة والاجهاد الشديد الذى بدى عليه ، والى جواره كلبه الصغير 
يحاول باسنانه العبث بشاله المتدلى من كتفيه تاره ، وتارة اخرى ينبح بى اتجاه اولئك الصبية المتجمهرين على مقرية منهما وهم 
يصفقون ويتصايحون فى هرج ومرج : بركة ماتت ياشعبان وحياة كلبك الجربان ....بركة ماتت يا شعبان ....
حاولت انا بدورى ان اصرفهم عنه لكنهم لم يبالوا ، لكن لابئس أنا أعرف ان هذه هى احدى وسائل المذاح السمجة لدى القرويين خصوصا مع أولئك الذين يعتقدون انهم مجاذيب !
وعلى الرغم من ذلك وعلى غير العادة لم ينجح اولئك الصبية ـ الى الان على الاقل ـ فى استفزاز اواثارة غضب شعبان الذى كان قد بدى اخيرا فى النهوض مستندا على عكازه الحديدى الذى تناول به" صرة " صغيرة كانت معلقة فى غصون الشجرة المتدلية والتى راح يخرج منها بعض القيمات المتيبسة ثم اخذ يلقيها قطعة ـ قطعة الى داخل ثقب صغير كان قد احدثه بعكازه فى سطح القبر الجالس فوقه!
وحينما اقتربت منه كانت قد بدت على وجهه ابتسامة كبيرة وهو يتمتم : قومى يابت اتغدى
ثم فى الحاح ـ قومى يا " بركة " اظعطى العيال ولد اللبؤة من هنا
ثم فى عصبية شديدة وهو يراقب كلبه فى حذر ـ الذى كان قد بدى يستعد فى هذ ذيله طمعا فى بعض اللقيمات ـ ثم فجأة وشكل هستيرى أخذ شعبان يُشيح بعكازه فى يمينا ويسار فى الهواء بعصبية شديدة وهو يصرخ : قومى يابت الكلب قومى يابت من هنا !
حتى أختل توازنه فسقط على ظهره لكى يتناثر ما تبقى فى يده من لقيمات لينقض عليها كلبه المتحفز ملتهم اياها فى شراهة بالغة ، كان شعبان يراقبه فى استسلام تام وهو يرفع احدى ساقيه كى يتبول فى داخل الثقب النافذ الى القبر حينها راح شعبان يقهقه وبصوت مجلجل وهو يشير الى كلبه بعلامات الرضا والاعجاب وهو يقول : ايوه " ازجيها " النجسة بنت النجس ـ ازجيها خليها تقوم ـ جدع والله ابوك راجل ! ، ثم وضع شاله البالى على وجهه الذى انعكست عليه اشعة الشمس الحارقةواخذ يتمتم من جديد: قومى يا بركة يا أختى روحينى
قومى يا " بركة " نروح من هنا ! ، ثم غام فى صمت لا تسمع منه غير أنات متقطعة واهات متحشرجة ينما كلبه راح يتسلل ببطء حتى غاص تحت شاله القطنى ثم ذهب الاثنين فى نوم عميق !
ينما رحت أنا اتحسس رأسى باحث عن شجة قديمة كانت قد احدثتها فى رأسى " بركة " شقيقة شعبان الوحيدة ذات الملامح الذكورية المرعبة والتى لولا أننى أيقن بأنها ترقد الان داخل هذا القبر الذى ينام فوقه شعبان ما كنت لأجرىء على مجرد الاقتراب !

هناك تعليقان (2):

هبة فاروق يقول...

اولا حمد الله على السلامه يا ابو الفوارس
ثانيا بقى القصه روووعه بجد انت وصفت حاله شعبان كأنى اراها امامى رؤيه العين القبور وملابسه الرثه وحالته النفسيه ومدى تعلقه بأخته وصيحات الاولاد حوله
انت رائع اجدت فى الوصف والسرد بطريقه مشوقه وخاتمه قويه مناسبه للنهايه
تسلم الايادى وبلاش غياب تااانى

reemaas يقول...

فنان درجة اولى :)

فعلا وكأن الكلمات بترسم صورة متحركة قدامى